عندما يعشق المطوّر لعبته ويغمرها بالحب، تظهر لنا تلك المشاعر جليةً في مشروعِه نابضةً بالحياة. سمعنا قصصًا عديدة عن عناوين وقفت خلفها استديوهات لم تستسلم للظروف والصعوبات بسبب الشغف لتحقيق طموحهم. وفريق D-Pad Studio المكوّن من 5 أشخاص مثالٌ على ذلك بعدما استغرفوا 9 أعوام لكي ترى لعبة أحلامهم النور، ولقصّتهم تفاصيل ومآسي محزنة يمكنكم معرفتها عبر مشاهدة المقطع المرفق من الفريق الرائع Root Quest (هنا). ومحور حديثي الآن يخص لعبتهم Owlboy الفريدة من نوعها، والمميّزة في تفاصيلها.
القصة
تبدأ القصة في قرية عائمة في السماء تُدعى بـVellie، حيث يعيش بطل قصتنا الفتى البومة Otus برفقة أصدقائه ومعلمه. عِرق البوم لديه تاريخ وتقدير كبير في عالم اللعبة مع الكثير من الأسرار المثيرة للإهتمام، وهذا ما وضع Otus تحت ضغط كبير كونه خليفةً لهذه السلالة. ولكن، الأوقات العصيبة لم تأتي من ذلك فحسب، بل نتيجةً لتقليل أهالي القرية من قدراتِه مع نظرات شفقة وإزدراء نحوه. دائمًا ما يفشل في المهام الموَكّلة إليه ولا يستطيع النجاح بما يُطلب منه، لا يستطيع الكلام والدفاع عن نفسه، يتلقّى الإهانات واللوم على كل ما يفعل. والأدهى من ذلك والأمر، شعور خيبة الأمل والخذلان من معلمه. الإنكسار والكآبة تعتلي محيى Otus، هل من الممكن أن تسوء الأحوال أكثر من ذلك؟ نعم، وذلك بعد غزو سُفن القراصنة القرية وقتلهم الكثير من الأبرياء، ثم سرقة أمرًا بالغ الأهمية. ومن هنا، تبدأ المغامرة الجميلة في إنقاذ Vellie والعالم أجمع من خطر القراصنة.
القصة في فكرتها بسيطة والأحداث كذلك متوقعة لحدٍ ما، رحلة المعاناة التي عاشها Otus وكيف تخطّى مرحلة الكآبة بمساعدة رِفاقه الذين وثقوا به كانت ممتعة على الرغم من سطحيّتها. Owlboy تُظهر جمال الرحلة بدلًا من قوّة القصة وأحداثها، وذلك جزء من ما ميّزها كمغامرة مسليّة. وما زادها روعةً هي الشخصيات المرافقة أو التي نقابلها أثناء اللعب، جميعهم تهتم لأمرهم وتتعلق بهم بسرعة بسبب شخصياتهم الفريدة مع حوارات ومواقف ظريفة وممتعة تحصل في أوقات مناسبة دون التأثير سلبًا على جديّة الأحداث. وهذا الجانب الرائع دفع فضولي للتفاعل مع أي شخصية أقابلها وزيارة أي منزل أو متجر يمكنني الدخول إليه.
أسلوب اللعب
لعبة المنصات والمغامرة ثنائية الأبعاد مع عناصر الميترودفينيا الخطيّة Owlboy تسمح لك بالتحكم بالبومة Otus الهزيل الذي لا يقدر على القتال، ولكن، يمكنه الطيران لتفادي العقبات بالإضافة إلى حمل الأشخاص والأغراض. وهنا تكمن فكرة أسلوب اللعب التي تعتمد على حمل رِفاقك حيث يستعملون ذخائرهم المختلفة لهزيمة الأعداء وتخطي العوائق. من هؤلاء الرفاق من يتميّز بحرق النباتات التي تحجب الطريق مع القيام بضرر عالي عن قرب، على خلاف رفيقه الآخر الذي يتميّز بالتصويب من مسافات أبعد. استفادت اللعبة بشكل جيّد من هذه الخصائص بتوظيف الشخصيات المرافقة بالتساوي في الأهمية على حسب المواقف، وهذا ما لم يجعل من أسلوب اللعب مملًا على الرغم من بساطته.
عالم اللعبة
قصّة اللعبة وشخصيّاتها الرائعة تتطلب عالمًا ينافسها بالجمال، وهذا بالفعل ما حصل. تحتوي Owlboy على بعض المناطق الرئيسية التي تتشعب منها المغارات بأنواعها حيث تحصل معظم الأحداث، وتتميّز جميع جزئيّات اللعبة بمظاهر خلّابة ومفعمة بالحياة. تكمن متعة التجوّل في أرجاء العالم في بساطة المناطق عمليًا وسهولة فهم تركيبتها مع مظاهر أخّاذة بفضل الرسوم البيكسيلية الفاتنة كما سأتحدث عنها لاحقًا. ولكن، غياب الخريطة جعل من بعض المناسبات مزعجة حيث أجد صعوبةً عندما أريد قصد مكان بعينه مع ضياع وقت للبحث عن مبتغاي.
وواجهتني مشكلة أخرى مع Owlboy بخصوص الكاميرا الثابتة السيئة حيث لم تتناسب مع الرؤية الجانبية للشاشة نظرًا للمناطق المفتوحة على بعضها. كان التنقل من جهة لأخرى وخصوصًا أثناء الهروب أو القتال مزعجًا بسبب النقاط العمياء التي في الجزء التالي أو السابق من الشاشة مما جعلني أُخطئ وأتلقى ضررًا لعدة مناسبات بشكل مزعج.
المغارات ومحتواها
مغامرتنا تشهد زيارة عدّة مغارات حيث تحصل معظم المعارك والعقبات. كل مغارة تتسم بطابع معيّن يميّزها عن غيرها بتنوّع ممتاز من ناحية الألغاز، الأعداء، التصميم والمظهر، الموسيقى، وإلى آخره. بالإضافة إلى أحداث بسيطة مسليّة تحصل بالتوافق مع القصّة، مثل الإختباء من مرأى الأعداء للوصول لمنطقة معيّنة، إمتطاء مخلوق يتحرك بسرعة ويتعيّن عليك تفادي العوائق، وغيرها.
الألغاز بسيطة جدًا ولا تتطلب جهدًا لحلّها، وتعتمد بشكل كبير على حمل الأغراض أو الاستعانة برفاقك للاستفادة من قدراتهم بتخطّي العائق الذي يواجهك. التنويع فيها جيّد وتتميّز كل مغارة بطابع معيّن من الألغاز تعتمد عليه في جزئيّتها. ولكن، بعض المغارات استغرقت وقتًا أطول من اللازم مما جعل الألغاز تبدو مزعجة ومكررة في القليل من المناسبات.
الفصائل المختلفة للأعداء مع الأفكار الجيّدة لهجماتهم وأساليب قتالهم جعلت مواجهاتهم ممتعة وخصوصًا عند دخول منطقة جديدة حتى تكتشف نقاط ضعفهم ومن هي الشخصية المرافقة المناسبة لهزيمتهم. ولكن، توزيع الأعداء لم يكن موفقًا في بعض المناسبات، حيث وجدت صعوبةً في تخطّيها أحيانا بسبب تكدس الأعداء وعشوائيّتهم في منطقة واحدة. مواجهة الزعماء مسليّة بشكل عام مع تحدّي معقول يُصبح سهلًا عند الإعادة بسبب تواضع عدد ميكانيكيات قتال الزعماء بنمط تقريبًا ثابت من الهجمات، ولكن بتوظيف مناسب إلى جيّد في المعركة مما جعلها جانبًا ممتعًا لكثير من الأوقات.
الجانب الفنّي
كل منطقة وكل فصل ترك ذكرى جميلة فنيًا، الرسوم البيكسيليّة في Owlboy بالغة الجمال وأعتبرها من أروع ما رأيت بيكسيليًا إن لم تكن الأفضل على الإطلاق. هذا المستوى الاستثنائي أذهلني في جميع الجوانب حيث تستطيع ملاحظة أبسط التفاصيل في أوجه الشخصيات كالحزن والفرح من ناحية التعابير والملامح، نبض العالم بخلفيات ديناميكيّة ساحرة مع تعاقب الليل والنهار الذي أعطى كل منطقة رونق فريد بمختلف الأوقات، المجسمات والأغراض بأدق تفاصيلها، المنازل والمباني بمعماريّة وتصاميم رائعة داخليًا وخارجيًا، التأثيرات المصاحبة للضربات والهجمات وغيرها الكثير.
وما زاد الجانب الفنّي روعةً هي الموسيقى التصويرية للمبدع Jonathan Geer. معزوفات مناسبة للأحداث والمناطق بشكل جيّد، ابتداءً من القرية المليئة بجرعة الاستكنان والأمان بفضل لحنها، ومرورًا بجميع جزئيات اللعبة بتناغم رائع بين الموسيقى وما يحصل قصصيًا، وحتى معزوفات قتال الزعماء الحماسية والملحمية. دائمًا ما تصل مشاعر الحزن والألم بشكل ممتاز، وكذلك تزيد من عيار الخوف والتوتر. ألبوم رائع ساهم في جعل Owlboy تجربة فريدة بتناسق مبهر بين الموسيقى وجميع أطراف اللعبة.
0 تعليقات